هشام زهدالي…..
مدينة تبدو وكأنها تصار الموت، بكبرياء، وشموخ.. فيما الشواهد فيها لازالت تصر على التذكير بتاريخ عتيد، وعنيد في آن، يعود إلى العهد الروماني، تاريخ يبوؤها درجة: أقدم المدن التاريخية في المغرب.
هنا دبدو
من بقايا الآثار الرومانية، مرورا إلى أسوار القصبة المرينية، فالمقبرة اليهودية، إلى القبة المرينية ب”فم الواد”، علامات أثرية تتحدث في صمت رهيب عن مدينة تنسج قصتها على منوالها، وكما تريد هي أن تكون: هنا دبدو، عروس نائمة في أحضان قلعة… !
من سخرية القدر، أن تعترف مراجع التاريخ بمدينة دبدو، وتخصص لها صفحات تاريخا المضيء، لتخلد ذكراها، مهما تعاقبت السنين، فيما يتنكر لها الكثيرون بقصد، أو بغيره، لا لشيء، إلا لأن خيبة الحظ ربما، لم تسعف بعد على النبش وتقليب أوراق التاريخ، والجغرافيا أيضا، للتعرف على قلعة، أبى حبر المؤرخين إلا أن ينساب، كنسيم صباح ، معلنا أنها كانت ذات يوم هنا، مستوية على عرش الجغرافيا، في منطقة جبلية، مسندة رأسها على هضاب النجود العليا، وممددة رجليها، إلى سهول تافراطة، كعروسة نائمة في أحضان قلعة، تحفها الجبال، كإكليل قدم هدية لمدينة رأت النور شرق المغرب، في يوم ميلادها..
تاريخ غني، وحضارة عريقة، عنوانها الأبرز، تعدد مكونات النسيج العمراني والبشري، والثقافي، الذي عاشت على إيقاعه دبدو في عز ازدهارها.
من على صفحات تاريخ المدينة الهادئة، يذكر حسن الوزان، في كتابه، “وصف إفريقيا”، أن دبدو مدينة قديمة، أسسها الأفارقة، على منحدر جبل شاهق منيع، باستحكاماته الطبيعية، ويرجح إعمارها على يد المرينيين، هكذا يشير إلى أن هذه الحاضرة، ظهرت، إبان حكم عبد الحق المريني (1196-1218)، موردا أنها بنيت لتكون معقلا لفرع من قبيلة بنو مرين، على إثر تقسيم مناطق المغرب، على يد عبد الحق المريني، لتؤول دبدو إلى قبيلة تدعى بني ورتاجن، وقد استقر المرينيون قبل دخولهم إلى المدينة، بتافراطة، وفم الواد، ومن بين مآثرهم المعمارية، التي لا زالت صامدة، إلى الفترة الراهنة، بمدخل دبدو “القبة المرينية”.
مهر فاطمة لبناء جزء سور القصبة
لكن، تبقى القصبة، التي شيدها المرينيون، أبرز تراث خلفه بنو مرين بالمدينة. وتشير الروايات الشفوية، إلى أن فاطمة بنت عبد الحق المريني، مولت بناء جزء من سور القصبة، بمال صداقها، حسب كتابات منقوشة وجدت على أحد الأسوار، حسب الدكتور نور الدين أدخيسي. جدير بالذكر، أن المؤرخ عبد الرحمان بن خلدون، أحد مؤرخي القرن 15، الذين تناولوا دبدو بالتدوين وله حيز، في كتابه “ديوان المبتدأ والخبر”.
يقول واصفا اعتراض قافلة كان ضمنها: “”فاعترضونا، هنالك ، فنجا من نجا منا، على خيولهم، إلى جبل دبدو، وكنت فيهم، وبقيت يومئذ، صاحيا عاريا، إلى أن لحقت بأصحابي بجبل دبدو، ووقع خلال ذألك من الألطاف، ما لا يعبر عنه، ولا يسع الوفاء بشكره”.
يهود دبدو فلسطنيون
رغم أن التاريخ سجل حضورا “قويا” لليهود في دبدو، إلا أنه تعذرت معرفة تاريخ تحديد دخولهم إليها، لانعدام وثائق ومخطوطات، غير أن البحوث اليهودية والفرنسية، تجمع على أن بداية استقرار اليهود في المدينة، جاءت إثر فرارهم من الأندلس، من الاضطهاد المسيحي الشرس الذي تعرضوا له (1391-1492)، وبعدما تعرض له اليهود في إسبانبا، بدؤوا في رحلة بحث عن ملجأ في دبدو تحت قيادة الحاخام ديفيد كوهين، وأغلبهم من الكوهانيم الذين ترجع أصولهم إلى القدس بفلسطين..
اشتهرت المدينة بكونها مدينة الحاخامات، إذ منها تخرج كبار رجال الدين اليهود المغاربة، ليطلق على هذه القلعة، إسم “إشبيلية المغرب” ويتم تظمينها في مؤلفاتهم، التي سعوا من خلالها إلى تهويد البلدة قدر المستطاع، وتبقى جل كتاباتهم من قبيل: “دبدو إشبيلية جديدة في شمال إفريقيا”، و”دبدو مدينة الكوهانيم”، و”دبدو القدس الصغيرة”، أكبر مؤشر على سعيهم الحثيث، إلى تهويد المدينة، التي قصدوها لاجئين، ابتداءا من سنة 1492، بل ذهب بهم الأمر إلى حد اعتبار إسم المدينة مستوحى، في إطار تحول لفظي من إسم حاخامهم دافييدو. لم يتم ذكر دبدو في المصادر التاريخية، وأبرز هذه المراجع “تاريخ إبن خلدون” “وصف إفريقيا للحسن الوزان”.
ديمغرافيا دبدو على عهد اليهود
خلال رحلته التاريخية لمدينة دبدو، سنة 1884، باشر الرحالة، شارل دوفوكو، عملية إحصائية، سعى خلالها إلى جرد ساكنة المدينة، ليخلص إلى كون عدد سكان اليهود، كان يفوق عدد المسلمين، بناء على فرضية غير علمية، تبقى غير مقبولة لاستخلاص نتيجة ديمغرافية موضوعية ودقيقة، بعد أن أحصى 400 منزل، مفترضا أنه يقطن في كل منزل 5 أفراد، بمعنى عملية حسابية: 400 في 5=2000، وهي مجموعمدينة تبدو وكأنها تصار الموت، بكبرياء، وشموخ.. فيما الشواهد فيها لازالت تصر على التذكير بتاريخ عتيد، وعنيد في آن، يعود إلى العهد الروماني، تاريخ يبوؤها درجة: أقدم المدن التاريخية في المغرب.
هنا دبدو
من بقايا الآثار الرومانية، مرورا إلى أسوار القصبة المرينية، فالمقبرة اليهودية، إلى القبة المرينية ب”فم الواد”، علامات أثرية تتحدث في صمت رهيب عن مدينة تنسج قصتها على منوالها، وكما تريد هي أن تكون: هنا دبدو، عروس نائمة في أحضان قلعة… !
من سخرية القدر، أن تعترف مراجع التاريخ بمدينة دبدو، وتخصص لها صفحات تاريخا المضيء، لتخلد ذكراها، مهما تعاقبت السنين، فيما يتنكر لها الكثيرون بقصد، أو بغيره، لا لشيء، إلا لأن خيبة الحظ ربما، لم تسعف بعد على النبش وتقليب أوراق التاريخ، والجغرافيا أيضا، للتعرف على قلعة، أبى حبر المؤرخين إلا أن ينساب، كنسيم صباح ، معلنا أنها كانت ذات يوم هنا، مستوية على عرش الجغرافيا، في منطقة جبلية، مسندة رأسها على هضاب النجود العليا، وممددة رجليها، إلى سهول تافراطة، كعروسة نائمة في أحضان قلعة، تحفها الجبال، كإكليل قدم هدية لمدينة رأت النور شرق المغرب، في يوم ميلادها..
تاريخ غني، وحضارة عريقة، عنوانها الأبرز، تعدد مكونات النسيج العمراني والبشري، والثقافي، الذي عاشت على إيقاعه دبدو في عز ازدهارها.
من على صفحات تاريخ المدينة الهادئة، يذكر حسن الوزان، في كتابه، “وصف إفريقيا”، أن دبدو مدينة قديمة، أسسها الأفارقة، على منحدر جبل شاهق منيع، باستحكاماته الطبيعية، ويرجح إعمارها على يد المرينيين، هكذا يشير إلى أن هذه الحاضرة، ظهرت، إبان حكم عبد الحق المريني (1196-1218)، موردا أنها بنيت لتكون معقلا لفرع من قبيلة بنو مرين، على إثر تقسيم مناطق المغرب، على يد عبد الحق المريني، لتؤول دبدو إلى قبيلة تدعى بني ورتاجن، وقد استقر المرينيون قبل دخولهم إلى المدينة، بتافراطة، وفم الواد، ومن بين مآثرهم المعمارية، التي لا زالت صامدة، إلى الفترة الراهنة، بمدخل دبدو “القبة المرينية”.
مهر فاطمة لبناء جزء سور القصبة
لكن، تبقى القصبة، التي شيدها المرينيون، أبرز تراث خلفه بنو مرين بالمدينة. وتشير الروايات الشفوية، إلى أن فاطمة بنت عبد الحق المريني، مولت بناء جزء من سور القصبة، بمال صداقها، حسب كتابات منقوشة وجدت على أحد الأسوار، حسب الدكتور نور الدين أدخيسي. جدير بالذكر، أن المؤرخ عبد الرحمان بن خلدون، أحد مؤرخي القرن 15، الذين تناولوا دبدو بالتدوين وله حيز، في كتابه “ديوان المبتدأ والخبر”.
يقول واصفا اعتراض قافلة كان ضمنها: “”فاعترضونا، هنالك ، فنجا من نجا منا، على خيولهم، إلى جبل دبدو، وكنت فيهم، وبقيت يومئذ، صاحيا عاريا، إلى أن لحقت بأصحابي بجبل دبدو، ووقع خلال ذالك من الألطاف، ما لا يعبر عنه، ولا يسع الوفاء بشكره”.
يهود دبدو فلسطنيون
رغم أن التاريخ سجل حضورا “قويا” لليهود في دبدو، إلا أنه تعذرت معرفة تاريخ تحديد دخولهم إليها، لانعدام وثائق ومخطوطات، غير أن البحوث اليهودية والفرنسية، تجمع على أن بداية استقرار اليهود في المدينة، جاءت إثر فرارهم من الأندلس، من الاضطهاد المسيحي الشرس الذي تعرضوا له (1391-1492)، وبعدما تعرض له اليهود في إسبانبا، بدؤوا في رحلة بحث عن ملجأ في دبدو تحت قيادة الحاخام ديفيد كوهين، وأغلبهم من الكوهانيم الذين ترجع أصولهم إلى القدس بفلسطين..
اشتهرت المدينة بكونها مدينة الحاخامات، إذ منها تخرج كبار رجال الدين اليهود المغاربة، ليطلق على هذه القلعة، إسم “إشبيلية المغرب، وتبقى جل كتاباتهم من قبيل: “دبدو إشبيلية جديدة في شمال إفريقيا”، و”دبدو مدينة الكوهانيم”، و”دبدو القدس الصغيرة”، التي قصدوها لاجئين، ابتداءا من سنة 1492، بل ذهب بهم الأمر إلى حد اعتبار إسم المدينة مستوحى، في إطار تحول لفظي من إسم حاخامهم دافييدو. لم يتم ذكر دبدو في المصادر التاريخية، بداية من القرن 15، ، وأبرز هذه المراجع “تاريخ إبن خلدون” “وصف إفريقيا للحسن الوزان”.
وأمام مرأى الجميع، أصبحت المعالم الأثرية، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، في مشهد أشبه بغرق سفينة على إيقاع عرض بطيء وسط الأمواج، ولم تشفع للمدينة ذات المقومات السياحية الجذابة حالها الراهن، وهي التي راهنت على استثمار فضائها الفريد، في انتظار فك ما يشبه الحصار على قلعة تنبض حياة، وبهاء ورونق منحها إياها تنوع كفيل بأن يضمن لها مركزا في لائحة الفضاءات الأجدر بالصيانة وكذا الزيارة ساكنة المدينة، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل إنه افترض أيضا وجود 300 منزل لليهود، وكل منزل يحوي 5 أفراد لتكون نتيجة العملية، 1500 نسمة، مقابل هذا، افترض المؤرخ وجود 100 منزل للمسلمين، بمعدل 5 أفراد في المنزل الواحد، لتكون النتيجة 500 نسمة للمسلمين.
دبدو الآن
تمكن استعارة كل ما كتب من أشعار في رثاء الأندلس، لتوصيف الحال الذي آلت إليه مدينة دبدو، التي أصبحت تعيش على إيقاع عزلة قاتلة، فاقمت حدتها السياسات العمومية العقيمة، والتي لم تعر أي اهتمام لهاته القلعة التاريخية، وزجت بها في هامش التاريخ، تاركة إياها تصارع قدرا غامضا.
وأمام مرأى الجميع، أصبحت المعالم الأثرية، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، في مشهد أشبه بغرق سفينة على إيقاع عرض بطيء وسط الأمواج، ولم تشفع للمدينة ذات المقومات السياحية الجذابة حالها الراهن، وهي التي راهنت على استثمار فضائها الفريد، في انتظار فك ما يشبه الحصار على قلعة تنبض حياة، وبهاء ورونق منحها إياها تنوع كفيل بأن يضمن لها مركزا في لائحة الفضاءات الأجدر بالصيانة وكذا الزيارة.